أول شيء عرفته أثناء قيامي بمهمة سرِّية لإلقاء القبض على حقيقة واحدة هذا الصباح هي هذه الأيام المتشابهة.. الأيام التوائم.. التي تترصدني وتنسخ شيئاً مكرراً مني، شيئا نسيته بين دفتي كتاب خاصة كتب الفلسفة التي قررت أن أتجادل معها طيلة الفترة الماضية كبديل لشعوري أن يومي يمر غالباً في مدينة لا تتحدث سوى بلغة الحجارة والسوق والإشارة، أعني تلك الملونة وهي تستوقفني لمرات قبل أن أصل لعملي صباحاً.. أعني تلك الخضراء دائما أيام الإجازات فقط ربما كضريبة لشعورك أن الوقت مفتوح كعش طائر.
صعب أن أقول عن أيامي في الإجازة عموماً، الأيام التي يتوقف فيها منبه الساعة تماماً، ولا يعود هنالك وقت محدد للغداء والشاي والقهوة والقراءة، صعب أن أقارنه بهذا اليوم الذي يبدأ عندي من مقهى الصباح المبكر جداً مع القراءة ثم العمل الذي أسعى كل يوم لتحريك رتابته حتى مضت سنوات وصرت خبيراً في ترويض ذلك الوقت، في الاحتيال عليه وممارسة ما بوسعي من تخلقات مبتكرة جديدة حتى يمر بسلام نحو الظهيرة عائداً إليَّ.. الوقت المسالم الهادئ والحر في مكتبتي.. ولمرات عديدة مثل هذا اليوم أحب أن أمشي، في الأيام التي تنجو من كسلي المعتاد.. أتذكر وأنسى وأتوقع وأتساءل بهذه الطريقة، واقرأ خطوة لم تكتمل وآخذ بيديها إلى أقرب باب، والحقيقة أنني لم أعد اقرأ في مكتبتي كثيراً أو أمشي كثيراً بقدر ما أنهمك في متابعة شيء ما على الإنترنت، تلك الأحداث الطارئة، الدردشات والتحايا والقراءات والفيديو والصور المؤجلة، العالم الذي ينتظرك -أو هكذا أُشعر نفسي- على عتبة إلكترون مكتظ بالنوافذ، هذه ليست لوحة سوريالية وفانتازية بل حقيقة، وليست كناية عن العالم اليوم بل عنَّي تماماً، أنهمك لكن -بحق- أجدني وقد خرجت من الشاشة بالكامل أحيانا بأكثر من وزني وأحيانا بآثار جانبية كان عليَّ أن أكبح وصولها قبل اكتمال التحميل، وأحياناً -تلك الأحيان التي تترك فيها شيئاً منك في المواقع الإلكترونية..- أبقى هناك طويلاً ويصعب أن أخرج كأنما مرغم ومنقاد بفضل ساحر ماكر وعنيد، قبل الغروب أكون قد انتهيت تماماً من التسوق أو شراء ما يلزمني، ثم أعود لعائلتي وبعض أعمالي ولمكتبتي والإنترنت وربما أكتب شيئاً يشبه ما أكتبه الآن، ومع أن الأيام المتشابهة تظل تطاردني لكني أجيد ابتكار شيء جديد كل مرة ولو كان مراقبة الطيور واستدراجها نحو سُوَر البيت بالحبوب، أو في مزرعة الفناء الصغيرة مع كائناتي المفضلة.. أحاول أن أتعلم شيئاً مفيداً طيلة الوقت وأن أميز هذا اليوم عن سواه بعلامة فارقة، أحاول.. خاصة مثل هذا اليوم في المقهى مع الأصدقاء ورفقة الحياة.
________
* شاعر سعودي.
صعب أن أقول عن أيامي في الإجازة عموماً، الأيام التي يتوقف فيها منبه الساعة تماماً، ولا يعود هنالك وقت محدد للغداء والشاي والقهوة والقراءة، صعب أن أقارنه بهذا اليوم الذي يبدأ عندي من مقهى الصباح المبكر جداً مع القراءة ثم العمل الذي أسعى كل يوم لتحريك رتابته حتى مضت سنوات وصرت خبيراً في ترويض ذلك الوقت، في الاحتيال عليه وممارسة ما بوسعي من تخلقات مبتكرة جديدة حتى يمر بسلام نحو الظهيرة عائداً إليَّ.. الوقت المسالم الهادئ والحر في مكتبتي.. ولمرات عديدة مثل هذا اليوم أحب أن أمشي، في الأيام التي تنجو من كسلي المعتاد.. أتذكر وأنسى وأتوقع وأتساءل بهذه الطريقة، واقرأ خطوة لم تكتمل وآخذ بيديها إلى أقرب باب، والحقيقة أنني لم أعد اقرأ في مكتبتي كثيراً أو أمشي كثيراً بقدر ما أنهمك في متابعة شيء ما على الإنترنت، تلك الأحداث الطارئة، الدردشات والتحايا والقراءات والفيديو والصور المؤجلة، العالم الذي ينتظرك -أو هكذا أُشعر نفسي- على عتبة إلكترون مكتظ بالنوافذ، هذه ليست لوحة سوريالية وفانتازية بل حقيقة، وليست كناية عن العالم اليوم بل عنَّي تماماً، أنهمك لكن -بحق- أجدني وقد خرجت من الشاشة بالكامل أحيانا بأكثر من وزني وأحيانا بآثار جانبية كان عليَّ أن أكبح وصولها قبل اكتمال التحميل، وأحياناً -تلك الأحيان التي تترك فيها شيئاً منك في المواقع الإلكترونية..- أبقى هناك طويلاً ويصعب أن أخرج كأنما مرغم ومنقاد بفضل ساحر ماكر وعنيد، قبل الغروب أكون قد انتهيت تماماً من التسوق أو شراء ما يلزمني، ثم أعود لعائلتي وبعض أعمالي ولمكتبتي والإنترنت وربما أكتب شيئاً يشبه ما أكتبه الآن، ومع أن الأيام المتشابهة تظل تطاردني لكني أجيد ابتكار شيء جديد كل مرة ولو كان مراقبة الطيور واستدراجها نحو سُوَر البيت بالحبوب، أو في مزرعة الفناء الصغيرة مع كائناتي المفضلة.. أحاول أن أتعلم شيئاً مفيداً طيلة الوقت وأن أميز هذا اليوم عن سواه بعلامة فارقة، أحاول.. خاصة مثل هذا اليوم في المقهى مع الأصدقاء ورفقة الحياة.
________
* شاعر سعودي.